بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 40 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 40 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 312 بتاريخ الإثنين مارس 13, 2023 10:44 am
الكوني والتاريخي ج2
صفحة 1 من اصل 1
الكوني والتاريخي ج2
النص:
ما أتوق إليه في هذه المحاضرة هو أن أعين سامعي على امتلاك خيوط حوار معاصر ينخرط فيه مفكرون أوروبيون وأمريكيون كبار. البؤرتان المستقطبتان للنقاش في هذا الحوار هما أولا نظرية العدالة لجون راولس J.Rawls وما أثاره من حوارات بين القانونيين والاقتصاديين وعلماء السياسة والفلاسفة وذلك انطلاقا من العالم اللانڤلوساكسوني خاصة، وثانيا، أخلاقيات النقاش لهابرماس وآبل (J.Habermas et K.otto Apel) وما تثيره هي الأخرى من نقاش في نفس الدوائر المعرفية ولكن هذه المرة انطلاقا من أوروبا الغربية.
الرهان المشترك بين الحوارين هو معرفة ما إذا كان من الممكن أن نبلور مبادئ (أو قواعد) عامة في حقول الأخلاق والقانون والسياسة والاجتماع لا تتأثر في عموم صلاحيتها باختلاف الأشخاص والجماعات والثقافات ولا تحددها الظروف الخاصة للتطبيق ولا -خاصة- المستجدات الحديثة.
ويُعترض على هذا المنحى في التفكير بأمور عديدة، منها الطابع المجرد لهذه المبادئ المفترضة الذي يتجاهل تنوع أحوال تنزيلها ومنها خاصيتها اللاتاريخية الغربية عن اختلاف الموروثات الثقافية للشعوب وعن الانغراس الدائم للقواعد المنظمة للعيش المشترك في الممارسات الخاصة بهذه الجماعة أو تلك.
لإضاءة هذا الحوار، سأرسم إطارا إشكاليا متعدد المستويات تختلف فيه المواجهة بين الكوني والتاريخي بحسب المستوى الذي نتناولها فيه - ولغرض بيداغوجي سأتبنى التمييز بين ثلاثة مستويات لصياغة الإشكالية الأخلاقية كما أعرضها في كتابي Soi-même comme un autre، وهي المستويات التي تغطي الحياة الخاصة والقانون والبنيات الاقتصادية-الاجتماعية للمجتمع المدني والمؤسسات السياسية.
- I -
في المستوى الأول الذي أخصص له مصطلح القيم éthique لقرابته الدلالية من الآداب السارية فعلا في المجتمع سأحدد التخلق La moralité في معناه الأعم على أنه الأمل في العيش السعيد (أو في الحياة الطيبة) مع ومن أجل الآخرين وفي مؤسسات عادلة - المقطع الأول من هذه الجملة الثلاثية يحدد غاية هذا المستوى من مقاربتنا (السؤال التاريخي والكوني) وهو بلوغ السعادة في الحياتين العامة والخاصة، ومن هذا التحديد الأولي. وقبل المرور لما بعده يتبين التمازج والاختلاط بين البعدين التاريخي والكوني، فمن جهة يمكننا أن نقول مع أرسطو بأن كل فعل وكل ممارسة تتجه إلى هذه الغاية وتتحدد بالنسبة إليها. فكل الناس يريدون أن يكونوا سعداء، ولكن هذه الغاية كي تتحول إلى قيمة تحتاج إلى الامتلاء بمضامين محددة ومعقولة تمكننا من تقويم الأفعال من جهة خيريتها أو سوئها.
هاهنا وفي هذه المسافة بين تجذر الرغبة في الحياة السعيدة وبين السعادة كأفق، تتدخل هذه الفضائل الفرعية –(كي تمنح لهذه الرغبة ولهذا الأفق الشكل والصورة)(*)- أي الاعتدال والشجاعة والكرم والصداقة الخ.. غير أن هذه التحديدات الأخلاقية الكبرى تضرب بجذورها باستمرار في الحياة الخاصة لشعب ما كما تؤكده مختلف المنظومات الأخلاقية الموروثة من اليونان، لذلك فإن الفيلسوف لا يفعل هنا سوى التفكير فيما يسميه شارل تايلر Charles Taylor بالتقييمات الصلبة (أي المضامين الاجتماعية المستقرة التي تُمنح لهذه القيم) وهو ما فعله أرسطو حين انطلق من المعتقدات الأكثر رسوخا وقبولا والتي شهدت صياغاتها الخطابية مع الشعراء اليونان هومير Homère وإيزشيل Eschyle وسوفوكل Sophocle وأوروبيد Euripide ومع الخطباء والمؤرخين والساسة.
هذا الاختلاف بين الخصوصي والكوني يصبح أكثر تخصيصا وأكثر هشاشة في الآن ذاته حين ننتقل إلى المقطع الثاني من الغاية المذكورة آنفا أي "مع ومن أجل الآخرين".
هاهنا، للارتباط بالآخر وجهان: الأول ارتباط مباشر مع آخر حاضر معي لحما ودما ويتجسد في العلاقة المتبادلة للصداقة والحب، وربما في هذه العلاقة المباشرة تجد الغايات القيمية الكونية تعبيرها الأوفى والأعم. فنحن نجد ثناءا متشابها على الصداقة في كل الثقافات، ومع ذلك، فلا يمكن أن نهمل الاختلافات الموجودة مثلا بين البنية الأرستقراطية للمدينة اليونانية وبين أشكال التضامن الشعبية في المجتمعات الحديثة - إن الجدل بين الخصوصي والكوني سيفرض نفسه في الجزء الثالث من الغاية المذكورة آنفا أي "في مؤسسات عادلة". صحيح أن الخاصية الصراعية للتواصل لن تظهر إلا في المستوى الثاني الذي سنتعرض له بعد حين (أي مستوى الإكراه القانوني)، ومع ذلك فإن الضمأ للعدالة لا يختص بمستوى الواجب والإلزام ولكنه أيضا مكون أساسي للأمل في العيش السعيد.
(لقد قلنا بأن للارتباط بالآخر وجه أول غير أنه ليس الوحيد)، فالعيش المشترك لا يقتصر على الأقربين ولكنه يمتد إلى الأبعدين الذين ارتبط بهم (ارتباطا غير مباشر) عن طريق المؤسسات المتنوعة المهيكلة للحياة الاجتماعية. وحينها تتوسع دائرة شركائي في الحياة الاجتماعية إلى كل الذين أقاسمهم العيش المشترك والذين يتحددون بالنسبة لي بأدوارهم ووظائفهم لا بمعرفتي المباشرة لهم- وهذه العلاقة بالكافة المختلفة عن العلاقة (الحميمية) للصداقة والحب هي المؤسسة لما تسميه حنه أرندت Hannah Arendt بالتعدد الإنساني La pluralité humaine، وهذا التعدد هو الذي نمسك فيه بجذور الشأن السياسي أي بإرادة العيش المشترك.
يمكننا بهذا الصدد أن نعتبر إرادة العيش المشترك ظاهرة كونية ولكن ما أن نترجم هذه الإرادة إلى التوق إلى مؤسسات عادلة حتى يختلط الكوني بالسياقي والظرفي اختلاطا معقدا ونكون مباشرة أمام السؤال: ما هي المؤسسة العادلة؟
والتساؤل عن المؤسسة العادلة لا ينفصل عن السؤال الأول: مع من نريد أن نعيش؟ وحين نطرح هذا السؤال ترغمنا الاختلافات الثقافية وتاريخ المؤسسات القانونية بمزيجه المعقد من العقلانية والأحكام المسبقة على امتحان معايير أخرى تختلف عن انشغالنا الأولي بالعيش السعيد.
يمكننا بهذا الصدد أن نقول بأن فكرتنا الأولية عن العدالة ليست سوى ترجمة للأمل في الحياة السعيدة في مستويات العيش المشترك الثلاثة: الحوارية والجماعية والمؤسساتية، وهذا الارتباط بين الحياة الطيبة وبين العدالة قد وجد تعبيره القار -الذي لم تستنفذ فاعليته الوجدانية والعقلية- في مفهوم المصلحة العامة.
ما أتوق إليه في هذه المحاضرة هو أن أعين سامعي على امتلاك خيوط حوار معاصر ينخرط فيه مفكرون أوروبيون وأمريكيون كبار. البؤرتان المستقطبتان للنقاش في هذا الحوار هما أولا نظرية العدالة لجون راولس J.Rawls وما أثاره من حوارات بين القانونيين والاقتصاديين وعلماء السياسة والفلاسفة وذلك انطلاقا من العالم اللانڤلوساكسوني خاصة، وثانيا، أخلاقيات النقاش لهابرماس وآبل (J.Habermas et K.otto Apel) وما تثيره هي الأخرى من نقاش في نفس الدوائر المعرفية ولكن هذه المرة انطلاقا من أوروبا الغربية.
الرهان المشترك بين الحوارين هو معرفة ما إذا كان من الممكن أن نبلور مبادئ (أو قواعد) عامة في حقول الأخلاق والقانون والسياسة والاجتماع لا تتأثر في عموم صلاحيتها باختلاف الأشخاص والجماعات والثقافات ولا تحددها الظروف الخاصة للتطبيق ولا -خاصة- المستجدات الحديثة.
ويُعترض على هذا المنحى في التفكير بأمور عديدة، منها الطابع المجرد لهذه المبادئ المفترضة الذي يتجاهل تنوع أحوال تنزيلها ومنها خاصيتها اللاتاريخية الغربية عن اختلاف الموروثات الثقافية للشعوب وعن الانغراس الدائم للقواعد المنظمة للعيش المشترك في الممارسات الخاصة بهذه الجماعة أو تلك.
لإضاءة هذا الحوار، سأرسم إطارا إشكاليا متعدد المستويات تختلف فيه المواجهة بين الكوني والتاريخي بحسب المستوى الذي نتناولها فيه - ولغرض بيداغوجي سأتبنى التمييز بين ثلاثة مستويات لصياغة الإشكالية الأخلاقية كما أعرضها في كتابي Soi-même comme un autre، وهي المستويات التي تغطي الحياة الخاصة والقانون والبنيات الاقتصادية-الاجتماعية للمجتمع المدني والمؤسسات السياسية.
- I -
في المستوى الأول الذي أخصص له مصطلح القيم éthique لقرابته الدلالية من الآداب السارية فعلا في المجتمع سأحدد التخلق La moralité في معناه الأعم على أنه الأمل في العيش السعيد (أو في الحياة الطيبة) مع ومن أجل الآخرين وفي مؤسسات عادلة - المقطع الأول من هذه الجملة الثلاثية يحدد غاية هذا المستوى من مقاربتنا (السؤال التاريخي والكوني) وهو بلوغ السعادة في الحياتين العامة والخاصة، ومن هذا التحديد الأولي. وقبل المرور لما بعده يتبين التمازج والاختلاط بين البعدين التاريخي والكوني، فمن جهة يمكننا أن نقول مع أرسطو بأن كل فعل وكل ممارسة تتجه إلى هذه الغاية وتتحدد بالنسبة إليها. فكل الناس يريدون أن يكونوا سعداء، ولكن هذه الغاية كي تتحول إلى قيمة تحتاج إلى الامتلاء بمضامين محددة ومعقولة تمكننا من تقويم الأفعال من جهة خيريتها أو سوئها.
هاهنا وفي هذه المسافة بين تجذر الرغبة في الحياة السعيدة وبين السعادة كأفق، تتدخل هذه الفضائل الفرعية –(كي تمنح لهذه الرغبة ولهذا الأفق الشكل والصورة)(*)- أي الاعتدال والشجاعة والكرم والصداقة الخ.. غير أن هذه التحديدات الأخلاقية الكبرى تضرب بجذورها باستمرار في الحياة الخاصة لشعب ما كما تؤكده مختلف المنظومات الأخلاقية الموروثة من اليونان، لذلك فإن الفيلسوف لا يفعل هنا سوى التفكير فيما يسميه شارل تايلر Charles Taylor بالتقييمات الصلبة (أي المضامين الاجتماعية المستقرة التي تُمنح لهذه القيم) وهو ما فعله أرسطو حين انطلق من المعتقدات الأكثر رسوخا وقبولا والتي شهدت صياغاتها الخطابية مع الشعراء اليونان هومير Homère وإيزشيل Eschyle وسوفوكل Sophocle وأوروبيد Euripide ومع الخطباء والمؤرخين والساسة.
هذا الاختلاف بين الخصوصي والكوني يصبح أكثر تخصيصا وأكثر هشاشة في الآن ذاته حين ننتقل إلى المقطع الثاني من الغاية المذكورة آنفا أي "مع ومن أجل الآخرين".
هاهنا، للارتباط بالآخر وجهان: الأول ارتباط مباشر مع آخر حاضر معي لحما ودما ويتجسد في العلاقة المتبادلة للصداقة والحب، وربما في هذه العلاقة المباشرة تجد الغايات القيمية الكونية تعبيرها الأوفى والأعم. فنحن نجد ثناءا متشابها على الصداقة في كل الثقافات، ومع ذلك، فلا يمكن أن نهمل الاختلافات الموجودة مثلا بين البنية الأرستقراطية للمدينة اليونانية وبين أشكال التضامن الشعبية في المجتمعات الحديثة - إن الجدل بين الخصوصي والكوني سيفرض نفسه في الجزء الثالث من الغاية المذكورة آنفا أي "في مؤسسات عادلة". صحيح أن الخاصية الصراعية للتواصل لن تظهر إلا في المستوى الثاني الذي سنتعرض له بعد حين (أي مستوى الإكراه القانوني)، ومع ذلك فإن الضمأ للعدالة لا يختص بمستوى الواجب والإلزام ولكنه أيضا مكون أساسي للأمل في العيش السعيد.
(لقد قلنا بأن للارتباط بالآخر وجه أول غير أنه ليس الوحيد)، فالعيش المشترك لا يقتصر على الأقربين ولكنه يمتد إلى الأبعدين الذين ارتبط بهم (ارتباطا غير مباشر) عن طريق المؤسسات المتنوعة المهيكلة للحياة الاجتماعية. وحينها تتوسع دائرة شركائي في الحياة الاجتماعية إلى كل الذين أقاسمهم العيش المشترك والذين يتحددون بالنسبة لي بأدوارهم ووظائفهم لا بمعرفتي المباشرة لهم- وهذه العلاقة بالكافة المختلفة عن العلاقة (الحميمية) للصداقة والحب هي المؤسسة لما تسميه حنه أرندت Hannah Arendt بالتعدد الإنساني La pluralité humaine، وهذا التعدد هو الذي نمسك فيه بجذور الشأن السياسي أي بإرادة العيش المشترك.
يمكننا بهذا الصدد أن نعتبر إرادة العيش المشترك ظاهرة كونية ولكن ما أن نترجم هذه الإرادة إلى التوق إلى مؤسسات عادلة حتى يختلط الكوني بالسياقي والظرفي اختلاطا معقدا ونكون مباشرة أمام السؤال: ما هي المؤسسة العادلة؟
والتساؤل عن المؤسسة العادلة لا ينفصل عن السؤال الأول: مع من نريد أن نعيش؟ وحين نطرح هذا السؤال ترغمنا الاختلافات الثقافية وتاريخ المؤسسات القانونية بمزيجه المعقد من العقلانية والأحكام المسبقة على امتحان معايير أخرى تختلف عن انشغالنا الأولي بالعيش السعيد.
يمكننا بهذا الصدد أن نقول بأن فكرتنا الأولية عن العدالة ليست سوى ترجمة للأمل في الحياة السعيدة في مستويات العيش المشترك الثلاثة: الحوارية والجماعية والمؤسساتية، وهذا الارتباط بين الحياة الطيبة وبين العدالة قد وجد تعبيره القار -الذي لم تستنفذ فاعليته الوجدانية والعقلية- في مفهوم المصلحة العامة.
مواضيع مماثلة
» الكوني والتاريخي(1)
» الكوني والتاريخي ج3
» الكوني والتاريخي ج4
» الكوني والتاريخي ج5
» الكوني والتاريخي ج6
» الكوني والتاريخي ج3
» الكوني والتاريخي ج4
» الكوني والتاريخي ج5
» الكوني والتاريخي ج6
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت أكتوبر 01, 2016 1:29 pm من طرف صالح زيد
» بنية مقال تحليل النص
الجمعة مارس 18, 2016 6:47 pm من طرف lamine
» مارسيل خليفة من السالمية نت
الجمعة مارس 18, 2016 6:30 pm من طرف lamine
» الإحداث في "حدث أبو هريرة قال"
الإثنين أبريل 20, 2015 11:59 pm من طرف lamine
» النص و التأويل
الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 2:54 am من طرف ssociologie
» نسبية الاخلاق
الخميس مايو 22, 2014 10:36 am من طرف besma makhlouf
» العربية في الباكالوريا
الخميس نوفمبر 14, 2013 12:57 am من طرف الأستاذ
» الفكر الأخلاقي المعاصر
الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 11:39 am من طرف هاني
» محاورة الكراتيل
الإثنين يناير 07, 2013 11:10 pm من طرف بسمة السماء