بحـث
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 43 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 43 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 312 بتاريخ الإثنين مارس 13, 2023 10:44 am
الكوني والتاريخي(1)
صفحة 1 من اصل 1
الكوني والتاريخي(1)
الكوني والتاريخي(1)
تقديم بول ريكور
ترجمة: حسن بن حسن
تقديم:
منذ الاهتزازات الكبرى التي تعرض لها سؤال الأخلاق مع نيتشه لم تبرز فلسفة عملية جديرة بهذا الاسم قادرة على فرض استئناف التفكير الإيجابي فيه حتى السبعينات من هذا القرن حين ظهر إلى الوجود كتاب جون راولس نظرية العدالة (نشر في هارفارد عام 1971 وترجم للفرنسية ونشرته دار سوي عام 1987).
يقول هابرماس بأن نظرية العدالة لراولس يُمثل نقطة تحول في الفلسفة العلمية المعاصرة والفضل يرجع إليه في عثور الأسئلة الأخلاقية المكبوتة لزمن طويل على منزلتها كأسئلة قابلة للدراسة العلمية الجادة(2).
وفي الوقت الذي كانت فيه نظرية العدالة تشق طريقها في العالم الأنجلو-ساكسوني كانت نظرية أخلاقيات التواصل لكل من هابرماس وآبل (J.Habermas et K.Otto Apel) تشق طريقها في أوروبا معيدة هي الأخرى للفلسفة العملية توجهها وراهنيتها - لاشك أن ضرورات تاريخية وطلبا ملحا يدفعان إلى استئناف التفكير الإيجابي في سؤال الأخلاق، غير أن هذا الاستئناف موسوم سلبا بنتائج المعارك الطاحنة لهذا السؤال، فهابرماس وراولس، كلاهما يسعى لبلورة فلسفة عملية لا ميتافيزيقية، والمقصود بذلك فلسفة لا تنغرس في آلماهيات والطبائع والخصائص الذاتية للأفعال. والطريق الوحيد المفتوح أمامهما لذلك هو البحث عن مصدر إجرائي صرف للأخلاق يهتم بصورة وشكل صدور القاعدة الأخلاقية أكثر مما يهتم بمضمونها(3)، والحداثة السياسية بمسطرتها في إفراز الاختيارات والقرارات، أي باستصدارها من مسطرة المناقشة العمومية المعبرة عن الإرادة العامة ستمثل المورد الذي يجعل التفكير آللاميتافيزيقي في الأخلاق ممكنا، لذلك فإن العمود الفقري لفلسفتي راولس وهابرماس واحد رغم اختلاف الحقلين اللذين يشتغلان فيهما، فمقاربتيهما معا لسؤال الأخلاق مقاربتان مسطريتان procédurales أي تُرجعان خاصيتي العموم والتجريد الحيويتين للقاعدة الأخلاقية إلى مصدرها ومسطرة إفرازها لا إلى خصائصها الذاتية المضمونية، المضمون هنا يستمد معقوليته من مسطرة إفرازه -لا يعني هذا أنْ لا خلافَ بين هابرماس ورولس، بل ن النقاط التي يفترقان فيها عديدة، غير أن اختلافهما يظل في خط فكري واحد لذلك بقول هابرماس بأن خصومته مع راولس خصومة عائلية(4)، وأهم ما يختلفان فيه الاحتفاظ بمفهوم الحقيقة من عدمه، فنظرية راولس برمتها تقوم على افتراض وضعية خيالية لمتحاورين خياليين مفصولين عن أهوائهم ومصالحهم الفردية بغشاوة من الجهل الأمر الذي يمكنهم من الحياد الايديولوجي ومن عقلنة تصوراتهم ونقاشهم.
هذا النموذج المتخيل للحياد الايديولوجي يدفع راولس إلى الاستعاضة عن مفهوم الحقيقة بمفهوم المعقولية raisonnabilité، بمعنى أن مبادئ العدالة تستمد عمومها وتجريدها من معقوليتها لا من انغراسهما في تربة جوهرية substantielle للحقيقة. وأما هابرماس فيرى أن استتباعات تعليق مفهوم الحقيقة ثقيلة وأننا في حاجة إلى حقيقة لا ميتافيزيقية لا إلى إنكار هذا المفهوم مطلقا. وأما بول ريكور، ومع أنه أحد الوجوه الفلسفية الكبيرة للقرن العشرين، ومع أنه يمكن النظر إلى فلسفته برمتها على أنها فلسفة للفعل، فإن فلسفته الأخلاقية لم تتبلور بكيفية واضحة مستقلة إلا في كتابه Soi-même comme un autre (1990)(1) وما يختلف به ريكور عن هابرماس وراولس هو اقتناعه بأن المقاربة المسطرية على أهمية التحويل الذي أحدثته لا تكفي كمدخل لسؤال الأخلاق لأنها لا تحل مشكل المضامين حلا شاملا، وريكور يعدد المداخل لسؤال الأخلاق -كما هو الشأن في كل القضايا التي يتناولها- والأخلاق هي الثمرة التي تتجه إليها فلسفته برمتها، وما يهمنا في التقديم لهذا النص هو أنه يميز بين ثلاثة مستويات لسؤال الأخلاق: مستوى القيم ويستعيد فيه أرسطو والتراث اليوناني ويعرفه بالغاية الأعم للأخلاق وهي العيش السعيد مع ومن أجل الآخرين وفي مؤسسات عادلة، وأما المستوى الثاني فمستوى الإكراه والإلزام، أي مستوى القواعد القانونية والأخلاقية النافذة بفعل قوة الإلزام وفي هذا المستوى حسب ريكور تنحصر صلاحية نظريتي راولس وهابرماس. وأما المستوى الأخير فيسميه بالحكمة العملية مستعيدا في ذلك مفهوم الPhronêsis اليوناني وما يجره وراءه من أسئلة مستعصية شهدت تعبيرها الخطابي منذ التراجيديا اليونانية، والمقصود بالحكمة العلمية القدرة على التمييز والفصل في الحالات القانونية والأخلاقية المستعصية التي يتعارض فيها عموم القاعدة القانونية في تجريدها مع خصوصية بعض الحالات الفردية، الحكمة العلمية هي فقه التطبيق والتنزيل.
لا شك أن ريكور بإضافته للبعد القيمي الغائي للعيش السعيد مع ومن أجل الآخرين وفي مؤسسات عادلة يدخل بعدا ميتافيزيقيا حذرا للفلسفة الأخلاقية ولكنه بعد لا جوهري بما أنه لا يتحدد بمضمون ملموس بعينه وإنما يتعلق بقصد فارغ يحتاج للامتلاء. وتتبين أهمية هذا البعد في كونه المرجعية العليا في حالة تعارض القاعدة العامة مع الحالة الفردية، ولاشك أن لهذا المفهوم صلة قرابة حتى وإن كانت بعيدة ومحتجبة بمفهوم القانون الطبيعي - يهمنا أخيرا في التقديم لهذا النص أن نلاحظ أن المسارات الفكرية للأزمنة الحديثة برمتها قد تشكلت في الغالب انطلاقا من نواتين: الحداثة العلمية-التقنية والحداثة السياسية، هاتان النواتان الصلبتان بمحمولاتهما الفلسفية وطاقتهما التحريرية هما منبعا ومصدرا الإمكان التاريخي في الأزمنة الحديثة. ولئن تشكل عالم الأفكار في القرن التاسع عشر انطلاقا من الأصداء والتموجات الفكرية للحداثة العلمية فإن الحداثة السياسية تعود في الثلث الأخير من القرن العشرين وبعد انهيار الايديولوجيات الشمولية وتواري النزعات الحسية وبعد بلوغ فلسفات التشكيك مداها لتشكل المنبع والمورد لاستئناف التفكير الفلسفي في الحقل العلمي. وأما هذا النص في مجمله فيدور حول الفلسفة العملية لراولس وهابرماس وريكور بما هي مساع لعقلنة العيش المشترك بعقلنة صراعاته(6) والمبادئ والقواعد المتحكمة به - والمقصود بالعقلنة تغليب الجانب الإرادي التوافقي في العيش المشترك على الجانب اللاإرادي وعلى العلاقات القهرية والمخزونات الدوغمائية، ولهذه العلة، ولأن العقلنة إحدى حاجاتنا الماسة فقد رأيت أن أترجمه.
.
تقديم بول ريكور
ترجمة: حسن بن حسن
تقديم:
منذ الاهتزازات الكبرى التي تعرض لها سؤال الأخلاق مع نيتشه لم تبرز فلسفة عملية جديرة بهذا الاسم قادرة على فرض استئناف التفكير الإيجابي فيه حتى السبعينات من هذا القرن حين ظهر إلى الوجود كتاب جون راولس نظرية العدالة (نشر في هارفارد عام 1971 وترجم للفرنسية ونشرته دار سوي عام 1987).
يقول هابرماس بأن نظرية العدالة لراولس يُمثل نقطة تحول في الفلسفة العلمية المعاصرة والفضل يرجع إليه في عثور الأسئلة الأخلاقية المكبوتة لزمن طويل على منزلتها كأسئلة قابلة للدراسة العلمية الجادة(2).
وفي الوقت الذي كانت فيه نظرية العدالة تشق طريقها في العالم الأنجلو-ساكسوني كانت نظرية أخلاقيات التواصل لكل من هابرماس وآبل (J.Habermas et K.Otto Apel) تشق طريقها في أوروبا معيدة هي الأخرى للفلسفة العملية توجهها وراهنيتها - لاشك أن ضرورات تاريخية وطلبا ملحا يدفعان إلى استئناف التفكير الإيجابي في سؤال الأخلاق، غير أن هذا الاستئناف موسوم سلبا بنتائج المعارك الطاحنة لهذا السؤال، فهابرماس وراولس، كلاهما يسعى لبلورة فلسفة عملية لا ميتافيزيقية، والمقصود بذلك فلسفة لا تنغرس في آلماهيات والطبائع والخصائص الذاتية للأفعال. والطريق الوحيد المفتوح أمامهما لذلك هو البحث عن مصدر إجرائي صرف للأخلاق يهتم بصورة وشكل صدور القاعدة الأخلاقية أكثر مما يهتم بمضمونها(3)، والحداثة السياسية بمسطرتها في إفراز الاختيارات والقرارات، أي باستصدارها من مسطرة المناقشة العمومية المعبرة عن الإرادة العامة ستمثل المورد الذي يجعل التفكير آللاميتافيزيقي في الأخلاق ممكنا، لذلك فإن العمود الفقري لفلسفتي راولس وهابرماس واحد رغم اختلاف الحقلين اللذين يشتغلان فيهما، فمقاربتيهما معا لسؤال الأخلاق مقاربتان مسطريتان procédurales أي تُرجعان خاصيتي العموم والتجريد الحيويتين للقاعدة الأخلاقية إلى مصدرها ومسطرة إفرازها لا إلى خصائصها الذاتية المضمونية، المضمون هنا يستمد معقوليته من مسطرة إفرازه -لا يعني هذا أنْ لا خلافَ بين هابرماس ورولس، بل ن النقاط التي يفترقان فيها عديدة، غير أن اختلافهما يظل في خط فكري واحد لذلك بقول هابرماس بأن خصومته مع راولس خصومة عائلية(4)، وأهم ما يختلفان فيه الاحتفاظ بمفهوم الحقيقة من عدمه، فنظرية راولس برمتها تقوم على افتراض وضعية خيالية لمتحاورين خياليين مفصولين عن أهوائهم ومصالحهم الفردية بغشاوة من الجهل الأمر الذي يمكنهم من الحياد الايديولوجي ومن عقلنة تصوراتهم ونقاشهم.
هذا النموذج المتخيل للحياد الايديولوجي يدفع راولس إلى الاستعاضة عن مفهوم الحقيقة بمفهوم المعقولية raisonnabilité، بمعنى أن مبادئ العدالة تستمد عمومها وتجريدها من معقوليتها لا من انغراسهما في تربة جوهرية substantielle للحقيقة. وأما هابرماس فيرى أن استتباعات تعليق مفهوم الحقيقة ثقيلة وأننا في حاجة إلى حقيقة لا ميتافيزيقية لا إلى إنكار هذا المفهوم مطلقا. وأما بول ريكور، ومع أنه أحد الوجوه الفلسفية الكبيرة للقرن العشرين، ومع أنه يمكن النظر إلى فلسفته برمتها على أنها فلسفة للفعل، فإن فلسفته الأخلاقية لم تتبلور بكيفية واضحة مستقلة إلا في كتابه Soi-même comme un autre (1990)(1) وما يختلف به ريكور عن هابرماس وراولس هو اقتناعه بأن المقاربة المسطرية على أهمية التحويل الذي أحدثته لا تكفي كمدخل لسؤال الأخلاق لأنها لا تحل مشكل المضامين حلا شاملا، وريكور يعدد المداخل لسؤال الأخلاق -كما هو الشأن في كل القضايا التي يتناولها- والأخلاق هي الثمرة التي تتجه إليها فلسفته برمتها، وما يهمنا في التقديم لهذا النص هو أنه يميز بين ثلاثة مستويات لسؤال الأخلاق: مستوى القيم ويستعيد فيه أرسطو والتراث اليوناني ويعرفه بالغاية الأعم للأخلاق وهي العيش السعيد مع ومن أجل الآخرين وفي مؤسسات عادلة، وأما المستوى الثاني فمستوى الإكراه والإلزام، أي مستوى القواعد القانونية والأخلاقية النافذة بفعل قوة الإلزام وفي هذا المستوى حسب ريكور تنحصر صلاحية نظريتي راولس وهابرماس. وأما المستوى الأخير فيسميه بالحكمة العملية مستعيدا في ذلك مفهوم الPhronêsis اليوناني وما يجره وراءه من أسئلة مستعصية شهدت تعبيرها الخطابي منذ التراجيديا اليونانية، والمقصود بالحكمة العلمية القدرة على التمييز والفصل في الحالات القانونية والأخلاقية المستعصية التي يتعارض فيها عموم القاعدة القانونية في تجريدها مع خصوصية بعض الحالات الفردية، الحكمة العلمية هي فقه التطبيق والتنزيل.
لا شك أن ريكور بإضافته للبعد القيمي الغائي للعيش السعيد مع ومن أجل الآخرين وفي مؤسسات عادلة يدخل بعدا ميتافيزيقيا حذرا للفلسفة الأخلاقية ولكنه بعد لا جوهري بما أنه لا يتحدد بمضمون ملموس بعينه وإنما يتعلق بقصد فارغ يحتاج للامتلاء. وتتبين أهمية هذا البعد في كونه المرجعية العليا في حالة تعارض القاعدة العامة مع الحالة الفردية، ولاشك أن لهذا المفهوم صلة قرابة حتى وإن كانت بعيدة ومحتجبة بمفهوم القانون الطبيعي - يهمنا أخيرا في التقديم لهذا النص أن نلاحظ أن المسارات الفكرية للأزمنة الحديثة برمتها قد تشكلت في الغالب انطلاقا من نواتين: الحداثة العلمية-التقنية والحداثة السياسية، هاتان النواتان الصلبتان بمحمولاتهما الفلسفية وطاقتهما التحريرية هما منبعا ومصدرا الإمكان التاريخي في الأزمنة الحديثة. ولئن تشكل عالم الأفكار في القرن التاسع عشر انطلاقا من الأصداء والتموجات الفكرية للحداثة العلمية فإن الحداثة السياسية تعود في الثلث الأخير من القرن العشرين وبعد انهيار الايديولوجيات الشمولية وتواري النزعات الحسية وبعد بلوغ فلسفات التشكيك مداها لتشكل المنبع والمورد لاستئناف التفكير الفلسفي في الحقل العلمي. وأما هذا النص في مجمله فيدور حول الفلسفة العملية لراولس وهابرماس وريكور بما هي مساع لعقلنة العيش المشترك بعقلنة صراعاته(6) والمبادئ والقواعد المتحكمة به - والمقصود بالعقلنة تغليب الجانب الإرادي التوافقي في العيش المشترك على الجانب اللاإرادي وعلى العلاقات القهرية والمخزونات الدوغمائية، ولهذه العلة، ولأن العقلنة إحدى حاجاتنا الماسة فقد رأيت أن أترجمه.
.
مواضيع مماثلة
» الكوني والتاريخي ج2
» الكوني والتاريخي ج3
» الكوني والتاريخي ج4
» الكوني والتاريخي ج5
» الكوني والتاريخي ج6
» الكوني والتاريخي ج3
» الكوني والتاريخي ج4
» الكوني والتاريخي ج5
» الكوني والتاريخي ج6
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت أكتوبر 01, 2016 1:29 pm من طرف صالح زيد
» بنية مقال تحليل النص
الجمعة مارس 18, 2016 6:47 pm من طرف lamine
» مارسيل خليفة من السالمية نت
الجمعة مارس 18, 2016 6:30 pm من طرف lamine
» الإحداث في "حدث أبو هريرة قال"
الإثنين أبريل 20, 2015 11:59 pm من طرف lamine
» النص و التأويل
الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 2:54 am من طرف ssociologie
» نسبية الاخلاق
الخميس مايو 22, 2014 10:36 am من طرف besma makhlouf
» العربية في الباكالوريا
الخميس نوفمبر 14, 2013 12:57 am من طرف الأستاذ
» الفكر الأخلاقي المعاصر
الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 11:39 am من طرف هاني
» محاورة الكراتيل
الإثنين يناير 07, 2013 11:10 pm من طرف بسمة السماء